رحله الآثام

موقع أيام نيوز

 


مرتين وراحت تخبره من تلقاء نفسها
أنا كنت عاينة حتت دهب صغيرة بيعها يا عوض جايز تفيد بحاجة.
استدار قليلا لينظر إليها وقال في حزن شديد يعبر عن عجزه
يا فردوس المطلوب ألوفات واحنا على باب الله.
ردت عليه في إصرار وهي تربت على كتفه
أهي نواية تسند الزير.
التف كلاهما معا نحو فراش بدري عندما سمعا ندائه الضعيف

ع..عوض!
صاحت فردوس في تلهف وهي تدفع زوجها للاقتراب منه
الحق أخوك فاق.
تحرك الأخير ليلتصق بجانب رأسه المستلقي على السرير ورجاه بصوت شبه باك
ماتتعبش نفسك يا بدري أنا جمبك ياخويا.
بينما تكلمت فردوس في سرور حقيقي ظاهر عليها
بركة إنك بخير.
عاد عوض ليقول بامتنان شاكر
ألف حمد وشكر ليك يا رب.
سعل بدري پألم وحاول الكلام فقال بصعوبة وبصوت يكاد يكون مسموعا لكليهما
حقك عليا...
احتضن عوض كف شقيقه بين راحتيه واندهش في توتر وهو يطلب منه
سامحني.
كان الأخير يملك من السمات الحميدة ما جعله يعفو عنه في التو وأفصح عن ذلك علنا بترديده
مسامحك ياخويا المهم عندي إنك ترجع بالسلامة تاني.
مجددا سعل بدري في ألم وحاول أن يخاطبه فخرج صوته متقطعا
أنا.. أنا..
رجاه شقيقه الأكبر بتوسل
ماتجهدش نفسك بالكلام بالله عليك حاول ترتاح.
رغم ضراوة الآلام التي تفتك به إلا أنه أصر على مخاطبته قائلا
اسمعني.. بس...
بدا صوته أقرب لنبرة الوداع حينما تابع بعناء
جايز تكون دي آخر مرة!
ردت فردوس باندفاع نزق وكأن قلبها من يتحدث لا لسانها
بعد الشړ عنك إن شاءالله هتقوم بالسلامة.
اتجه بدري بعينين الدامعتين إلى وجه فردوس واستطرد معترفا في ندم
أنا .. كنت .. ناوي .. أوسخ .. سمعة مراتك .. عشان تطلقها.
شهقت فردوس مصعوقة بعد الذي سمعته وارتجف بدنها بالكامل في حين تابع بدري بصعوبة واضحة
بس ربنا أراد.. يرحمها .. من ظلمي ليها.
وكأن أحدهم قد هوى بمطرقة قاسېة على رأسها فهشمها بلا رحمة استنكرت اعترافه الخطېر بشدة وصاحت بصوت ناهج ومنفعل
إنت بتقول إيه
واصل اعترافاته الأخيرة مرددا
كلام أمي .. عماني وخلاني .. أسعى .. في .. الخړاب.
اشتعلت عينا فردوس واحتقن وجهها بحمرة متزايدة مجرد تخيل احتمالية حدوث ڤضيحة كتلك لها كان كافيلا بتحولها تماما لشخصية هجومية عدائية وغير متسامحة لم تصغ إلى بدري وهو يواصل الكلام رغم صعوبة ذلك عليه
وأهوو.. ربنا انتقم مني .. ونجدها! 
حينئذ انفلتت أعصابها وخرج من بين شفتيها صيحة أقرب للصړاخ جعلت من متواجد بعنبر الرعاية المركزة ينتبه لهم
للدرجادي إنتو إزاي كده
نظر لها عوض بحسرة وأسف حاول لملمة الأمر قبل أن يتطور لڤضيحة علنية فاستجدى شفقة زوجته
مش وقته يا فردوس!
ردت بعدائية مبررة
إنت سامع بيقول إيه دي سمعتي وشرفي يا عوض!!
سعلة متحشرجة خرجت من جوف بدري أتبعها قوله النادم
خلاص يا خويا مابقاش في العمر بقية سامحني سامحيني يا مرات أخويا.
قال عبارته تلك وعيناه متعلقتان ب فردوس فما كان منها إلا أن وبخته بحړقة
حرام عليك أنا علمت فيكو إيه عشان تفتروا عليا بالشكل ده!
ردت عليها بصوت واهن
ربنا خلص ذنبك مني.
ارتفع صړاخها الموجوع وهي ترفع كفيها للأعلى كأنما تشكوه لمن خلق السماوات والأرض
حسبي الله ونعم الوكيل.
جاءت إحدى الممرضات إلى العنبر ونهرت فردوس على صياحها المزعج
ماينفعش اللي بتعمليه هنا في عيانين وحالات حرجة!
ثم حاولت دفعها للخارج وهي تطلب منها
اتفضلي لو سمحتي.
تجاهلتها فردوس وظلت تلوم على بدري بحنق أشد
هتروحوا من ربنا فين!
تكلمت الممرضة من جديد بلهجة شبه صارمة موجهة هذه المرة حديثها إلى عوض
يالا يا أستاذ.
كانت آخر كلمة سمعها منه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة
ويلقى ربه
سامحني.
انخلع قلبه لرؤية جسده يسكن
تماما فصاح يناديه بجزع فزع
بدري! أخويا!
الأيام التي سبقت هذه الليلة تحديدا مرت عليها مصحوبة بالتوتر والاضطراب ولما لا تصاب بالأرق والارتباك وهي تعلم تمام العلم أنها على وشك الزواج بآخر غير زوجها وبعلمه الكامل أيعقل ذلك مع شخصية ك مهاب كل شيء مباح! لم تعرف تهاني ما الذي يجب عليها فعله الرفض لم يكن خيارا متاحا والقبول كذلك لم يكن أمرا هينا كانت تتحرق بين نارين ورغم ذلك التخبط المقلق إلا أن رضخت في الأخير. عصفت بها انتفاضة قوية وباب غرفة النوم يفتح تخشبت في موضعها متوقعة حدوث الأسوأ لكن هدأت مهاجها الملتاعة مع ظهور الخادمة فقد جاءت لتطلب منها الذهاب إلى غرفة المكتب حيث ينتظرها البقية لإتمام مراسم عقد القران. صرفتها بلطف واتجهت إلى المرآة لتتأمل هيئتها نظرة ملية ألقتها على ملامحها ما زال يعتريها الخۏف وحتى نظراتها تعكس ذعرها. ظلت تخاطب نفسها وهي تحاول مقاومة هذه الرعشة الخفيفة التي تنتابها
هيحصلي أكتر من كده إيه
تحسست صدغها وكذلك جبينها قبل أن تواصل الكلام في هسهسة خائڤة
إنتي اتكتب عليكي تسمعي كلامه حتى لو حاجة مش مريحاكي.
قاومت ذلك الشعور المناقض الذي يناوشها بشأن استمالتها ل ممدوح فهي تخشى من ردة فعل مهاب إن علم أن ارتباطها به يستهويها نوعا ما. تنفست بعمق وقالت في جدية
كله عشان خاطر ابنك.
لكن ما لبث أن اختفت هذه الجدية ليحل الخۏف كبديل عنها نطقت باسمه متسائلة في توجس متعاظم
أوس! طب هقوله إيه 
بهتت تعابيرها وسؤال آخر يلح في رأسه لم تجرؤ على النطق به
يا ترى لما هيكبر هيعرف أمه ضحت بنفسها إزاي عشانه ولا أبوه ممكن يقلب عليا!
لم تذعن لهذا الأفكار السوداوية وقالت في عزم
بلاش أسبق الأحداث خلي الليلة دي تعدي على خير الأول.
الإحساس المزعج الذي لازمه منذ الصباح وحتى هذه الأمسية جعل من غير السهل عليه أن يستدعي سلطان النوم خاصة مع منعه من الخروج من غرفته طوال اليوم والتحذير من مخالفة هذا الأمر. تقلب الصغير أوس في فراشه وظل ينفخ في سأم ضجر من بقائه يقظا وبمفرده لوقت طويل. تنبه لأصوات جلبة غريبة تأتي من الخارج استحثه فضوله على النهوض وعزز من تلك الرغبة القوية شعوره الطاغي بالملل لهذا أزاح الغطاء عنه ونهض من فراشه سائرا على أطراف أصابعه تسلل من غرفته في هدوء واتجه إلى حيث مصدر الأصوات المتداخلة وجد عدة أشخاص مجتمعين في غرفة المكتب كان من النادر أن يرى بابها مفتوحا فوالده حين يعود من الخارج يذهب إليها ويمكث بها لساعات دون أن يجرؤ أحد على الدخول إليه إلا لو قام باستدعائه فيما عدا الخادمة كانت تختفي لوقت طويل وكأنه يعجز عن تفسير سبب بقائها لهذه المدة.
اختبأ أوس في الزاوية وحاول رؤية ما يدور من موضعه دون أن يلمحه أحد وقعت عيناه على والدته وهي تجلس بارتباك لافت على الأريكة عرف ذلك من طريقة هزها لساقيها كذلك استغرب من ارتدائها لثوب أبيض اللون فقد كانت لا تحبذه. حرك بصره نحو من يجلس مجاورا لها وجد رفيق والده السمج يميل ناحيتها ليهمس بشيء في أذنها تشنج وجهه وانزعج من قربه هذا. حجب عنه الرؤية ذلك الجسد الضخم لأحدهم لكنه استطاع أن يلمح عدة أوراق في يده. تحير كثيرا فيما يحدث بينهم أرهف السمع محاولا تفسير تجمعهم المريب ذلك بتفكيره الصغير والمحدود لكنه لم يتمكن بعد برهة انصرف
عدة رجال فتوارى عن أنظارهم لئلا يمسك به
أحدهم فيتعرض للتوبيخ. استطاع أيضا أن يميز صوت والده وهو يقول فجأة
كده نقدر نبارك ليكم.
سمع صوت ممدوح يسأله بجدية
إنت متأكد يا مهاب إنك مش عاوز حد يعرف
رد عليه والده في صرامة
دي حاجة عائلية متخصش حد.
تحرك بصر الصغير نحو والدته عندما تساءلت في صوت مهتز
وأوس!
أخبرها وهو يمد يده بكأس المشروب إليها
هو لسه صغير مايفهمش حاجة وبعدين أمه مارحتش لحد غريب يعني!
رغم صغر سنه إلا أنه شعر بالاستياء لم يسترح له ولم يستسغه وما أكد هذا الشعور المنفر بداخله استهجان أمه الواضح
مايصحش الكلام ده.
ضحك ممدوح ساخرا فاتجه أوس بناظريه إليه ليجده يعلق باستهزاء
هو مغلطش يا تهاني أنا يعتبر من العيلة!
طريقته تلك كانت مقيتة منفرة باعثة على الانقباض راقبه أوس بعينين ناريتين وراح يكز على أسنانه في غيظ حانق منه سرعان ما أشاح ببصره ليحدق في أبيه عندما تكلم
وبعدين الوضع ده مش هيستمر كتير.
تحير في تفسير الأمر وانتبه لوالده وهو يكمل
يدوب لحد ما أرجع من السفر ساعتها كل حاجة هترجع زي ما كانت.
لم يرفع أوس عينيه الحانقتين عن وجه ممدوح حين تساءل بصوته الهادئ السمج
برضوه مصمم
أجابه مهاب بما صدم الصغير تماما وجعل رأسه يتحير ويرتبك
ترضى أشوفك في حضڼ مراتي
ازداد صدمة وذهولا ورفيق والده المزعج يصحح له مقولته
كانت .. إنت طلقتها ودي رغبتك من الأول إني أتجوزها! أنا ماغصبتكش!
التصق ظهره بالحائط وتوقف عن مراقبة ثلاثتهم بنظراته المصډومة فما يحدث يفوق قدرته على الاستيعاب أو التفسير بكثير. تضاعف التوتر ب تهاني فانطلقت تترجوهما بتوتر كبير
كفاية يا جماعة الكلام ده أنا أعصابي مش مستحملة.
ضحك الاثنان منها فوزعت نظراتها بينهما وقالت كأنما تشعر بوجود ابنها وإن لم تكن تراه فعليا
وأرجوكم مافيش داعي أوس يعرف بده هو صغير ومش هيستوعب حاجة.
استهزأ بها مهاب فقال في غير مبالاة
اهدي يا عروسة مكبرة الموضوع ليه ما يعرف عادي.
شاركه ممدوح في نوبة الاستهزاء بها وأضاف هو الآخر بأسلوب مال للسخرية الوقحة
بالظبط أنا هبقى في مقام أبوه وقايم بدوره كمان.
تلميحه الأخير كان فجا في طياته لذا حذرته تهاني بنبرة شبه حادة
دكتور ممدوح!
عاتبها بطريقته الملتوية في إشعارها بالذنب
دكتور ده أنا بقيت جوزك ينفع كده الرسمية دي بينا
علق مهاب ببرود مغيظ وكأن ما يحدث لا يهمه من الأساس
سيبها مفكرة نفسها بكر لسه وبتتكسف!
تجرأ الصغير أوس على معاودة النظر إليهم فكان أول من تسلطت عليه نظرته هو والده المتكلم في شيء من الاستمتاع
طب ما إنت عارف اللي كان بيتعمل فيها وبالتفاصيل!
كلمات أخرى تحمل في مضمونها ما لا يريح حاول أوس تجاوز ما يسمعه ولا يفهمه لينظر إلى والدته المتسائلة في قدر من الانفعال بعدما هبت واقفة
إنت بتتريق!
وقف مهاب قبالتها وبدا في ملامحه وطريقته الټهديد الصريح وهو يخاطبها
إيه مش عاجبك!
نهض ممدوح في التو وحال بينهما بجسده مشكلا حاجزا قويا ثم خاطب رفيقه في هدوء
مهاب بالراحة! 
ثم حول الأمر إلى مزحة سمجة بتعقيبه الموحي وهو يغمز بعينه
مش عاوز ليلتي تبوظ معاها.
ربت على كتفه مرددا بابتسام
ماشي يا وحش! هسيبكم سوا وألحق ميعاد طيارتي.
عقب عليه بتلميح مفهوم
ما تطولش عشان أردلك الأمانة!
أوجز في رده الغامض
أكيد!
لم يعد هناك ما يقال لذا متسترا بالعتمة المنتشرة من حوله انسحب أوس من المكان بعدما علم بما لم يجب عليه معرفته لكن إحساسه الداخلي أكد له أن وجود هذا الشخص البغيض كأمر واقع ومفروض عليه في حياته لن يكون بشيء طيب على الإطلاق !!
يتبع الفصل الرابع والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
حيل لا تنضب
صوت احتكاك إطار السيارات والمصحوب بصوت تشغيل المحرك أكد له أن والده قد غادر بالفعل محيط المنزل في هذه الساعة
 

 

تم نسخ الرابط